طوفان عجائبيّة من غزّة إلى عالميّة تستعجل ولادة عالمٍ جديد ٧١٠٢٠٢٥ ميخائيل عوض ١ لم تُفاجِئْنا الطوفانُ العجائبيّةُ، فقد
طوفان عجائبيّة من غزّة إلى عالميّة تستعجل ولادة عالمٍ جديد
٧/١٠/٢٠٢٥
ميخائيل عوض
١
لم تُفاجِئْنا الطوفانُ العجائبيّةُ، فقد أدركنا أنّها ستكون بين التشرينين في عام ٢٠٢٣، وكتبنا منذ «سيف القدس» ٢٠٢١ وقلنا بالصوت والصورة، وحذّرنا ودعونا للاستعداد لمواكبتها والبناء عليها. وحدّدنا أنّ حدثًا سيُغيّر ما قبله ويُطلِق آخرَ الحروب، ولا تقف مفاعيله وتأثيراته قبل تحرير فلسطين كلّها وعودةِ الحقّ القوميّ لأصحابه. وقلنا إنّ الحاجات التاريخيّة ونُضجَ الظروف والمتغيّرات في إسرائيل ودوائر إسنادها، وفي فلسطين واختباراتِ أهلها للحلول التصفويّة، وفي العرب وبيئتهم، وفي العالم؛ تراكماتٌ ومتغيّراتٌ تستوجب عملاً يُطلِق الشرارة لإحراق الغابة، فقد تيبّست إلى حدّ التخمة.
٢
جاءت الطوفانُ عجائبيّةً من رميّاتِ الله المحكمات؛ فعجائبيّتها أنّها من غزّة المحاصَرة الجائعة العريانة، والتي تحت القبضة والسيطرة الإلكترونيّة والتجسّسيّة، وباستخدام الذكاء الصناعيّ والغباء الإسرائيليّ والعربيّ الفلسطينيّ الموالي له.
عجائبيّتها أنّها أوّلُ عملٍ عسكريٍّ عربيٍّ مُتقَن، بل أكثر من نوعيّةٍ استهدف العبور إلى فلسطين الـ٤٨.
أسطوريّتها أنّها أُعِدّت بتقانةٍ، وأَسقطت أكاذيبَ التفوّق والسيطرة الإسرائيليّة الأنجلوسكسونيّة، أي العالميّة العاتية، على يدِ أبطالٍ وبتقانةٍ ووسائطَ بدائيّةٍ، كشأنِ ثوراتِ الشعوبِ وإبداعاتها التي لا يُجاريها الذكاءُ الصناعيّ مهما تضخّم، ولا تستوعبها عقولُ الغطرسةِ والعدوان، ولا تُدرِكها عقولٌ تحجّرتْ وتجمدّت عند ماضٍ تَقادَم.
أسطوريّتها أنّها أسقطت أهمَّ وأحدثَ خطِّ دفاعٍ قيل إنّه يفوقُ الخيالَ في تصميمِه وتأمينِه وحمايتِه، كَلّفَ ثلاثةَ ملياراتِ دولارٍ وعشرين سنةً، ووُضِعَتْ فيه خلاصاتُ منتجاتِ العقلِ الأنجلوسكسونيّ وليس الإسرائيليّ فحسب.
٣
رجالٌ من صنفِ الملائكة، وتلاميذُ السيّد المسيح، ورجالُ الله كالصّحابة الأوائل، باعوا أعناقَهم لله، وأقدَموا في زمنِ الخياناتِ والجبنِ والانهزامِ والاستسلام؛ فكانوا مفاجأةً للجميع، بما فيهم قادةٌ وخبراءُ وعلماءُ حتّى في محورِ المقاومة، ومنهم من كان يُعلِن اكتمالَ العدّةِ للحربِ الكبرى، وعرفوها بحربِ تحريرِ فلسطين.
٤
وحدَهم أساطيرُ غزّة آمنوا بأنّ زمنَ التحرير أزِفَ ودقّت ساعتُه، فاستجابوا لنداءِ التاريخِ وحاجاتِه، وأقدَموا بعزيمةٍ وتصميمٍ، ولم يتردّدوا قطّ، ولا استجابوا للتحذيراتِ والتهويلِ وطلبِ التأجيلِ واللّوذِ بالصبرِ والانتظار.
٥
عبروا بثقةٍ، فالأرضُ أرضُهم، والبلادُ بلادُهم، والسماءُ لهم، واللهُ معهم.
بضربةٍ صاعقةٍ أطلقوا حقبةَ التغيّرِ المتسارع، وألهبوا العالمَ، وأطلقوا مفاعيلَ تغييره، بل دفنَ القديمَ واستعجالَ ولادةِ الجديد، الولادةَ التي استعصَتْ وكَلّفَتْ كثيرًا، واضطراباتُها تجولُ في أرجاءِ الكرةِ الأرضيّة.
٦
هكذا غزّة قدّمتْ نفسَها مقاومةً صلبةً تتحمّل وتحزِمُ أمرَها، تستشهِدُ ولا ترحَل، ولا تُلقِي السلاحَ، وتُبادِرُ لا تنتظر، ولا تهابُ أو تتحسّب. جادّةٌ فالقضيّةُ هي الأرضُ والماءُ والسماءُ والشجرُ والزيتونُ والحجرُ؛ هي ولها ولشعبِها مثابرةٌ صابرةٌ، لا تَلينُ ولا تنكسِر، ولا ترفعُ رايةً بيضاء، تستجيبُ لكلمةِ الله وتصيرُ من رميّاته المحكمات.
أطلقَ الطوفانُ عصرًا جديدًا وزمنًا مختلفًا، فتحفّزَت الشعوبُ ونهضت، وأطَلَّ جيلُ "زد" من شرنقته، وصار من علاماتها ومن مفاعيل طوفانها. فالطوفانُ من غزّة صار عالميًّا، وتتجمّع روافدُه ليصيرَ ساحقًا، وينهي عصورًا ويُطلِق أزمنةً وعصرَ الشعوبِ والأجيال.
٧
قدّمت غزّة قادتَها وكوادرَها وبناتِها وصِبيانَها وأمّهاتِها وشيوخَها، ولم ترتجِف أو تتلكّأ، وما زالت — برغم تدميرِ وإبادةِ عمرانِها — ما زالت تُقاتل ببسالةٍ وعجائبيّة.
٨
طوفانُها كشف الزيفَ، وأسقط الأكاذيبَ، وعرّى الحكوماتِ، وصفَعَ الشعوبَ النائمة، وكسر سطوةَ ورغباتِ الانتظاريّين والمتردّدين، بل وكشف زيفَ حكّامٍ ودُوَلٍ وفصائلَ طالما اعتاشت على فلسطينَ وقضيّتها والاستعدادِ لتحريرِها ومقولاتِ «الزمانِ والمكانِ المناسبين».
فطوفانُ غزّة غسَلَ القلوبَ والعقولَ، وكشف الزيفَ، ووضع الأممَ والشعوبَ أمام الحقائقِ المادّيّةِ العارية، في ميزانِ الحقِّ والعدلِ والجهدِ والعمل.
٩
يُقال كثيرًا في إدانتِها والتطاوُلِ عليها، وعلى مَن أعدَّ لها باحترافيّةٍ وصمتٍ وصبرٍ وكتمانٍ، وقد قاتلوا واستُشهِدوا باسمين وبفرحٍ ومفاخرةٍ بما أنجزَتْ عقولُهم وأيديهم، وما حقّقه رجالُهم.
في عليائِهم فرحون، وهم يرصُدون التحوّلاتِ المتعاظمةَ التي أطلقتْها فعلتُهم العجائبيّةُ، وبكلّ مثابرةٍ يبصُقون على الوجوهِ الكالحةِ، ويرذُلون الخطاباتِ والفبركاتِ والتطاوُلَ عليهم وعلى فعلتِهم الثوريّةِ الإلهيّة.
أمّا المتعجرفون والقاصرون والمتحجّرون في عقولِهم، فليس إلّا المزابلُ أمكنةً لهم يستقرّون فيها.
عجائبيّةُ غزّة أنهضت اليمنَ والعربيّةَ الجنوبيّة، وكشفت ما عندها من قدراتٍ ومكانةٍ، وعظّمت من دورِها واستحضرتْها فاعلًا نوعيًّا حاكمًا في أزمنةِ العربِ والإقليمِ والبحارِ المقرِّرةِ في سقوطِ أو تصعيدِ الإمبراطوريّاتِ والقوى.
غزّة بطوفانِها العجائبيّةِ وضعت آخرَ نقطةٍ في كتابٍ عمرُه سبعةٌ وسبعون عامًا، وقرّرتْ بدايةَ تسطيرِ كتابِها هي: كتابِ المقاومةِ الثوريّةِ الجِدِّيّة، وكتابِ الشعوبِ، وقد دنا عصرُها، وباتتْ ولادةُ العالمِ الجديدِ تتسارع، فغزّة كانت وتعودُ بوّابةَ الشرقِ ومفاتيحَ الشامِ وساحلَها، والقابلةَ القانونيّةَ التاريخيّةَ لتوليدِ الجديدِ من رحمِ القديم، ولو استعصى في جغرافيّةٍ وأزمنةٍ ليستْ جغرافيّتَها ولا زمانَها.
فقد عاد التاريخُ إلى يدِ صُنّاعِه من غزّة الأسطورةِ وأفعالِها العجائبيّة.
لغزّة يومٌ آخرُ، وزمنُها الزمنُ الذي يُولَدُ ليسودَ.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها